سورة الملك - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الملك)


        


{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)}.
{إِنَّ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ لَهُم مَّغفِرَةٌ وَأَجرٌ كَبِيرٌ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا فقال بعضهم لبعض: أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد.
فقال الله جل ذكره: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} ألا يعلم ما في الصدور مَنْ خلقها {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} لطيف علمه في القلوب الخبير بما فيها من الخير والشر والوسوسة. وقيل {مَنْ} يرجع إلى المخلوق، أي ألا يعلم الله مخلوقه؟
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا} سهلا لا يمتنع المشي فيها بالحزونة {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} قال ابن عباس وقتادة: في جبالها. وقال الضحاك: في آكامها. وقال مجاهد: في طرقها وفجاجها. قال الحسن: في سبلها. وقال الكلبي: في أطرافها. وقال مقاتل: في نواحيها. قال الفراء: في جوانبها والأصل في الكلمة الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء وَتنكَّب فلان أي جانب {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} مما خلقه رزقًا لكم في الأرض. {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أي: وإليه تبعثون من قبوركم. ثم خَّوف الكفار فقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} قال ابن عباس: أي: عذاب مَنْ في السماء إن عصيتموه {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} قال الحسن: تتحرك بأهلها. وقيل: تهوي بهم. والمعنى: أن الله تعالى يحرِّك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيهم إلى أسفل، تعلو عليهم وتمر فوقهم. يقال: مَارَ يَمُورُ، أي: جاء وذهب.


{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} ريحًا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط. {فَسَتَعْلَمُونَ} في الآخرة وعند الموت {كَيْفَ نَذِيرِ} أي إنذاري إذا عاينتم العذاب.
{وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني كفار الأمم الماضية {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إنكاري عليهم بالعذاب.
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} تصف أجنحتها في الهواء {وَيَقْبِضْنَ} أجنحتها بعد البسط {مَا يُمْسِكُهُنَّ} في حال القبض والبسط أن يسقطن {إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ}.
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} استفهام إنكار. قال ابن عباس: أي منعة لكم {يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} يمنعكم من عذابه ويدفع عنكم ما أراد بكم. {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ} أي في غرور من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم.
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} أي من الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله عنكم {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ} تمادٍ في الضلال {وَنُفُورٍ} تباعد من الحق. وقال مجاهد: كفور. ثم ضرب مثلا فقال: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} راكبًا رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يبصر يمينًا ولا شمالا وهو الكافر. قال قتادة: أكبَّ على المعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة {أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا} معتدلا يبصر الطريق وهو {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وهو المؤمن. قال قتادة: يمشي يوم القيامة سويًا.


{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} قال مقاتل: يعني أنهم لا يشكرون رب هذه النعم. {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْم، عنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ فَلَمَّا رَأَوْهُ} يعني: العذاب في الآخرة- على قول أكثر المفسرين- وقال مجاهد: يعني العذاب ببدر {زُلْفَةً} أي قريبًا وهو اسم يوصف به المصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والاثنان والجميع {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} اسودت وعليها كآبة، والمعنى قبحت وجوههم بالسواد، يقال: ساء الشيء يسوء فهو سيئ إذا قبح، وسيئ يساء إذا قبح {وَقِيلَ} لها أي قال الخزنة {هَذَا} أي هذا العذاب {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} تفتعلون من الدعاء تدعون وتتمنون أنه يعجِّل لكم، وقرأ يعقوب تدعون بالتخفيف، وهي قراءة قتادة ومعناهما واحد مثل تذكرون وتذكرون.
{قُلْ} يا محمد لمشركي مكة الذين يتمنون هلاكك {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ} من المؤمنين {أَوْ رَحِمَنَا} فأبقانا وأخَّر آجالنا {فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} فإنه واقع بهم لا محالة. وقيل: معناه أرأيتم إن أهلكني الله فعذبني ومن معي أو رحمنا فغفر لنا فنحن- مع إيماننا- خائفون أن يهلكنا بذنوبنا لأن حكمه نافذ فينا فمن يجيركم ويمنعكم من عذابه وأنتم كافرون؟ وهذا معنى قول ابن عباس.
{قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ} الذي نعبده {آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ} قرأ الكسائي بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. {مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي ستعلمون عند معاينة العذاب من الضال منا نحن أم أنتم؟

1 | 2 | 3